الحاج ثابت.. اغتصب 518 ضحية ووثق جريمته بالفيديو

الحاج ثابت.. اغتصب 518 ضحية ووثق جريمته بالفيديو

- ‎فيمجتمع, واجهة
Capture decran 2025 03 08 170440

 

اوسار احمد/

في أوائل التسعينيات، كانت الدار البيضاء تعيش إيقاعها العادي، لكن خلف الهدوء الظاهري، كانت هناك جريمة غير متوقعة في طريقها إلى الانفجار. كل شيء بدأ بشكاية تقدمت بها سيدة إلى الشرطة، ادعت فيها أنها تعرضت للاحتجاز والاغتصاب على يد شخص يدعى حميد، مهاجر مغربي مقيم في إيطاليا. التحقيقات الأولية لم تشر إلى شيء غير عادي، لكن سرعان ما اتضح أن المدعو حميد ليس إلا شخصية وهمية، وأن الجاني الحقيقي شخص لا يمكن لأحد أن يتخيله.

محمد مصطفى ثابت، الملقب بـ”الحاج ثابت”، كان يشغل منصب رئيس الاستعلامات العامة في أمن الحي المحمدي عين السبع. رجل سلطة، ذو نفوذ واسع، لم يكن مجرد شرطي عادي، بل كان مسؤولًا رفيع المستوى، يحظى بثقة رؤسائه واحترام زملائه. لم يتخيل أحد أنه قد يكون العقل المدبر وراء واحدة من أكبر الفضائح الإجرامية في تاريخ المغرب.

رغم خطورة الاتهامات التي وُجهت إليه، لم يتم اعتقاله فورًا. الشكاية التي تقدمت بها السيدة لم تكن كافية لفتح قضية كبيرة، لكن الأمور تغيرت بشكل جذري بعد ثلاث سنوات. التحقيقات التي أجريت لاحقًا قادت إلى اكتشاف مذهل، حيث عثرت الشرطة على عشرات الأشرطة المسجلة داخل شقة ثابت، والتي وثقت تفاصيل جرائمه بدقة. لم يكن الأمر يتعلق بحالة فردية أو اعتداء عابر، بل بعملية استمرت لسنوات، شملت مئات النساء.

داخل تلك الشقة الواقعة في شارع عبد الله بن ياسين، وجد المحققون 118 شريط فيديو، كشفت حجم الجرائم التي ارتكبها ثابت. وفقًا للمصادر الأمنية، فإن هذه الأشرطة تضمنت مشاهد اعتداءات على أكثر من 500 امرأة. الضحايا كن من فئات عمرية مختلفة، بعضهن قاصرات، أخريات طالبات جامعيات أو موظفات. كان أسلوبه متكررًا، يستدرج النساء من أمام المدارس والجامعات أو في الشوارع العامة، مستخدمًا سلطته ونفوذه لإقناعهن بمرافقته، أو بتهديدهن وإجبارهن على الصعود إلى سيارته.

الأشرطة كانت دليلًا قاطعًا، لا مجال للإنكار أو التبرير. لكن وسط هذه الأدلة، ظهر لغز محير، شريط يحمل الرقم 32. هذا الشريط لم يُعرض خلال جلسات المحاكمة، ولم يتم إدراجه رسميًا في الملفات. بعض المصادر أكدت أن ثابت نفسه كان يطالب بمشاهدته، وكأنه كان يحمل سرًا مختلفًا عن بقية الأشرطة. ماذا كان يحتوي هذا الشريط؟ لا أحد يعرف بدقة، لكنه ظل واحدًا من الأسرار الغامضة في القضية.

محاكمة الحاج ثابت لم تكن مجرد محاكمة جنائية عادية، بل تحولت إلى ما وُصف بـ”محاكمة القرن”. جلسات المحكمة شهدت حضورًا مكثفًا، والتغطية الإعلامية كانت غير مسبوقة. الرأي العام تابع التفاصيل بذهول، خاصة أن القضية كشفت عن خلل كبير داخل الأجهزة الأمنية، حيث تمكن رجل في موقع قوة من استغلال منصبه لسنوات دون أن يتم اكتشاف جرائمه. في البداية، لم يكن ثابت يدرك حجم الكارثة التي وقع فيها. كان مقتنعًا بأنه سيقضي بضع سنوات في السجن ثم يخرج، لكن مع توالي الجلسات، بدأ يدرك أن الوضع أسوأ مما تصور. النيابة العامة لم تتوقف عن تقديم أدلة جديدة، ومع كل جلسة، كان موقفه يزداد سوءًا.

عندما صدر الحكم، كان واضحًا أن هذه القضية لن تنتهي بعقوبة مخففة. القضاء أصدر حكمًا بالإعدام، ليصبح ثابت واحدًا من آخر الأشخاص الذين نُفذ فيهم هذا الحكم في المغرب. في فجر يوم 5 سبتمبر 1993، تم نقله من زنزانته، وقيل له إنه سيتم ترحيله إلى سجن آخر، لكنه كان يعلم الحقيقة. حين وصل إلى مكان تنفيذ الحكم بالقرب من القنيطرة، رفض أن توضع العصابة على عينيه. كان يدرك أن لحظاته الأخيرة قد حانت. قبل إطلاق النار، نطق بكلماته الأخيرة: “لقد حوكمت بأفعال يأتيها الجميع، وإن من حوكموا معي أبرياء.”

رصاصات الإعدام أنهت حياته، لكن قضيته بقيت في ذاكرة المغاربة كواحدة من أكثر الفضائح الإجرامية التي كشفت عن استغلال السلطة بأبشع أشكاله. منذ ذلك الحين، لم يتم تنفيذ أي حكم بالإعدام في المغرب، رغم أن المحاكم ما زالت تصدره. الحاج ثابت كان آخر شخص نُفذ فيه هذا الحكم، لكنه لم يكن الأخير الذي يواجه العدالة بسبب جرائمه

1 190 زيارة , 1 زيارات اليوم

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *