في خضم عصر تكنولوجي يطغى عليه التدفق السريع للمعلومات والتأثير العميق للوسائط الرقمية، أصبح الإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل عنصرا أساسيا في بناء الرأي العام وصياغة الوعي الوطني، وفي هذا السياق، فإن السيادة الإعلامية للمغرب تصبح حاجة ملحة، حيث يواجه الإعلام الوطني تحديات جسيمة تتجاوز القضايا المهنية اليومية لتطال أمن البلاد واستقرارها.
لقد أصبح الإعلام ساحة للحروب الناعمة، تتعرض فيها الدولة المغربية لهجمات ممنهجة من أطراف خارجية تسعى إلى تشويه صورتها وإضعاف موقفها في قضايا استراتيجية، وعلى رأسها قضية وحدتها الترابية.
الواقع الإعلامي المغربي اليوم يعكس هذه المخاطر التي تحيط بالدولة؛ إذ تسخر وسائل الإعلام الأجنبية وبعض منصات التواصل الاجتماعي لشن هجمات إعلامية ضد المغرب، تسعى لزعزعة الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة، وتعمل على نشر أخبار كاذبة وأجندات مشبوهة، هذه الهجمات تتطلب من المغرب تعزيز سيادته الإعلامية، ليس فقط من خلال التصدي لهذه الحملات، بل أيضا عبر بناء إعلام وطني يتمتع بالقوة، والمصداقية، والقدرة على مواكبة هذه التحولات، بعيدا عن الضغوط والتدخلات.
وإذا كانت هناك محاولات حثيثة لتطوير الإعلام المغربي، فإن تجربة التنظيم الذاتي للإعلام، التي انطلقت تحت إشراف يونس مجاهد وعبد الله البقالي، كانت بمثابة خطوة أولى نحو تنظيم القطاع، رغم ما شابها من قيود قانونية وضغوط خفية، جعلت من تلك الهيئات أضعف من أن تكون قادرة على ضبط القطاع بشكل حاسم وفعال، ورغم الجهود التي بذلها هذان الرجلان، اللذان كانا بحق منارة للخبرة والحكمة في مواجهة التحديات المهنية، فقد بقيت الهيئات الرقابية بلا صلاحيات قانونية حقيقية تضمن الاستقلالية الفعلية للإعلام وتحد من التجاوزات الخطيرة التي باتت تتكاثر في السنوات الأخيرة.
لكن الأزمات التي تلت كانت كافية لتنبهنا بوضوح إلى ضرورة المضي قدما في المسار الذي بدأته هذه التجربة، ففي وقتنا الراهن، ومع تزايد محاولات إضعاف المغرب عبر القنوات الإعلامية المتعددة، أصبح من الواجب أن ننتقل إلى مرحلة جديدة في التنظيم الإعلامي، من خلال إنشاء هيئة سيادية تكون مستقلة وقوية، وتتمتع بالصلاحيات القانونية اللازمة لحماية الإعلام الوطني من التدخلات السياسية والضغوط الاقتصادية، ولتحقيق التوازن الضروري بين حرية الصحافة وحماية المصالح الوطنية.
إن الاحتفاظ بالحكماء مثل يونس مجاهد وعبد الله البقالي ضمن الهيئة الجديدة لا يعني مجرد تكريم لشخصيات مرموقة، بل هو اعتراف بقدرتهما على قيادة القطاع في أوقات عصيبة، لما لهما من إلمام عميق بالمحيط الإعلامي العربي والدولي، فهذه الشخصيات لا تزال تملك القدرة على جمع الإجماع، وتجسيد روح الرسالة الصحفية في سعي دائم للارتقاء بالقطاع وضمان مهنية الإعلام، خاصة في أوقات تتكالب فيها القوى الخارجية على تفكيك وحدتنا الوطنية.
اليوم، بات من غير الممكن أن نترك الإعلام المغربي من دون قيادة حقيقية، لا سيما مع تزايد ما يواجهه من هجمات إعلامية شرسة تستهدف الهوية الوطنية والاستقرار السياسي، إن إنشاء هيئة تنظيمية لها صلاحيات تنفيذية حقيقية سيمكن الإعلام من أن يصبح أداة قوية في مواجهة هذه التحديات، كما سيكون له دور حاسم في حماية الاستقلالية الوطنية من أي محاولات للتلاعب أو التضليل.
لقد حان الوقت لأن نكون صارمين في وضع إطار قانوني يحدد المسؤوليات والحدود بدقة، لتكون الهيئة الإعلامية السيادية الضامنة لمستقبل إعلام قوي ومستقل، يتحمل مسؤولية الرسالة الصحفية ويواجه جميع الضغوط الخارجية بشجاعة وحكمة.