بقلم نجيبة جلال
في عالم يشهد تحولات متسارعة بفعل الطفرات التكنولوجية، أضحى الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداةً للإبداع والابتكار، بل أيضًا مجالًا يتطلب حكمة مضاعفة وحوكمة دقيقة. وإذا كانت الدول المتقدمة قد أدركت باكرًا أهمية مواكبة الذكاء الاصطناعي بإطار أخلاقي صارم، فإن المغرب، الذي يشق طريقه بثقة نحو التحول الرقمي، مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى فتح ورش وطني شامل لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
لقد حقق المغرب خطوات مهمة في ميدان الرقمنة والابتكار، غير أن التطور التكنولوجي مهما بلغ من جودة، يظل قاصرًا إن لم يحترم القيم الإنسانية العليا. فالذكاء الاصطناعي يحمل في طياته فرصًا كبيرة، لكنه يطرح أيضًا تحديات دقيقة تتعلق بالخصوصية، والتمييز الخوارزمي، والأمن السيبراني، والحق في العمل، وحماية الكرامة الإنسانية.
لهذا، فإن فتح ورش للأخلاقيات الرقمية بالمغرب يجب أن يستند إلى المحاور التالية:
- صياغة ميثاق وطني لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، يحدد المبادئ الكبرى التي ينبغي أن تحكم تطوير واستعمال هذه التقنيات، مع التركيز على احترام الحقوق والحريات الأساسية.
- إطلاق “شهادة الثقة الرقمية المغربية”، تمنح للشركات والمؤسسات التي تلتزم بالمعايير الأخلاقية في تطوير البرمجيات والخدمات القائمة على الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز دور البحث العلمي الجامعي عبر دعم مراكز متخصصة في أخلاقيات التكنولوجيا، وتشجيع الدراسات البينية التي تجمع بين القانون، والفلسفة، والعلوم الحاسوبية.
- مراجعة الإطار القانوني الوطني لمواكبة المستجدات التكنولوجية وضمان حماية فعالة للبيانات الشخصية، ومنع سوء استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة في المجالات الحساسة كالتوظيف، والقضاء، والأمن.
- تنظيم حملات تحسيسية وتكوينية موجهة للمهنيين والمواطنين حول الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، بما يساهم في بناء ثقافة رقمية أخلاقية شاملة.
تموقع المغرب كمركز إقليمي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في إفريقيا والعالم العربي، مستفيدًا من مكانته الجغرافية ومصداقيته الدولية في قضايا التنمية المستدامة.
إن الرهان اليوم ليس فقط على امتلاك التكنولوجيا، بل على امتلاك الرؤية والقيم التي تؤطرها. والمغرب، بما راكمه من تجارب في بناء نموذج تنموي قائم على توازن الحقوق والواجبات، قادر على أن يقدم للعالم نموذجًا ملهمًا في مجال الذكاء الاصطناعي المسؤول.
فتح هذا الورش الحيوي لم يعد ترفًا، بل ضرورة ملحة لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي قوةً للخير العام، لا أداةً للهيمنة أو التمييز.