قافلة غزة أم قافلة مرتزقة؟ تبون وقيس يتاجرون بدماء الفلسطينيين لطعن مصر في الظهر

قافلة غزة أم قافلة مرتزقة؟ تبون وقيس يتاجرون بدماء الفلسطينيين لطعن مصر في الظهر

- ‎فيدولي, واجهة
IMG 20250611 WA0050

 

 

اوسار أحمد/

إعلان يمكن النقر عليه

منذ أيام، انطلقت من الجزائر وتونس قافلة يُفترض أنها “إنسانية” في طريقها إلى غزة، تحمل بعض الأطنان من المواد الغذائية والدوائية، ويرافقها حشد من الإعلاميين والنشطاء والسياسيين. على الورق، تبدو القافلة فعلًا نبيلاً، ورسالة تضامن مع شعب أنهكته الحرب والحصار. لكن حين تقترب قليلاً من تفاصيل المشهد، وتقرأ لغة التصريحات، وتتابع الحملة الإعلامية المصاحبة لها، تجد نفسك أمام مشهد مغاير تمامًا: قافلة لا تسير فقط نحو غزة، بل نحو هدف خفيّ يراد منه تصفية حساب سياسي بارد مع مصر، الدولة التي ظلت تتحمّل عبء القضية الفلسطينية عمليًا لا استعراضًا، وتدفع كلفة ذلك من استقرارها وسمعتها دون أن تلهث وراء الكاميرات.

حين تبدأ قافلة “إنسانية” موجة من التحريض على دولة عربية قبل أن تصل حتى إلى حدودها، فإن الأمر يخرج من خانة الدعم الإنساني ليدخل في باب التآمر السياسي. لا أحد يجهل أن المعابر إلى غزة تتحكم بها إسرائيل، لا مصر، وأن المساعدات تمر إلى القطاع يومياً من خلال التنسيق المصري مع المنظمات الدولية والعربية، لكن “قافلة تبون وقيس” اختارت الطريق الاستعراضي، لا الفعّال. لماذا؟ لأن الهدف لم يكن يوماً غزة، بل كانت غزة مجرد واجهة للضرب تحت الحزام.

والأخطر من كل ذلك، أن من يقودون هذه الحملة ويحرّكون مشهد القافلة ليسوا مجرد متحمسين عاطفيين أو نشطاء صادقين، بل جنرالات الحكم في الجزائر وتونس، الذين اعتادوا تحريك الشارع بالشعارات الجوفاء وتغليف مصالحهم الضيقة بقضايا كبرى. في تونس، قيس سعيّد الذي أفرغ مؤسسات الدولة من مضمونها، يبحث عن مشهد خارجي يرمّم به شرعيته المتآكلة. وفي الجزائر، جنرالات السلطة الذين أرهقهم الحراك الشعبي والجمود الاقتصادي، يبحثون عن بطولة مزيفة يُلهون بها الداخل الساخط، ولو على حساب غزة نفسها.

الرسالة “المعنوية” التي يزعم منظّمو القافلة أنهم يحملونها، ليست أكثر من قنابل إعلامية موجهة إلى القاهرة. يريدون وضع مصر في زاوية العدو، لا الحليف، ويتعامون عن دورها المركزي في إدارة الأزمة منذ اليوم الأول. وهذه ليست سذاجة، بل نية مبيّتة، يقودها من استثمر طويلاً في خطاب التشكيك والتخوين، وفي مقدمتهم بقايا الإخوان، الذين لم يتوانوا عن تقديم خدمات مجانية للاحتلال كلما سنحت الفرصة.

قافلتهم هذه لم تُطلق عندما كانت المجازر في أوجها، ولم تتحرك حينما كان الغزيون ينامون على صوت القصف ويستيقظون على ركام منازلهم. لكنها ظهرت الآن، مع دخول الحرب مراحلها الأخيرة، لتبدو كأنها “تأنيب ضمير” متأخر. أي ضمير هذا الذي يصحو متأخراً بعد أكثر من 600 يوم؟ بل أي وقاحة سياسية هذه التي تحاول أن تُظهر مصر، التي فتحت مستشفياتها وحدودها ومخزونها الغذائي، وكأنها شريكة في الحصار؟

وما يزيد الأمر انكشافاً وابتذالاً هو ما رُصد من تفاصيل صادمة ضمن القافلة نفسها، حيث تبيّن أن بعض السيارات المشاركة تحمل خرائط للمغرب من دون صحرائه، في استفزاز صارخ للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وفضح جديد للطبيعة الحقيقية لهذه القافلة التي تحاول تمرير رسائل عدائية ضد الدول العربية كافة، وليس فقط مصر. وكأن الطعن في مصر لا يكفي، فكان لا بد من طعنة أخرى موجهة إلى المغرب، في تجلٍ فجّ لعقلية الانقسام، والسمّ المغلف بعباءة “الإنسانية”.

إنها ليست سوى مناورة سياسية مفضوحة، تدار بعقلية الشعارات الفارغة، لا بدافع الإغاثة، بل بدافع الحقد المبطّن. وعلينا أن نقرأ الحدث بوضوح: هذا استهداف صريح لمصر، ومحاولة لتوريطها في مشهد لا علاقة لها به، خدمة لأجندات إقليمية تتقاطع فيها طهران مع أجنحتها في شمال أفريقيا، على حساب الجغرافيا والتاريخ والدم الفلسطيني نفسه.

العروبة الحقيقية لا تُقاس بعدد الشاحنات ولا بحجم الصراخ على المنابر، بل بمَن يدفع ثمن مواقفه من أمنه واستقراره واقتصاده. ومصر، شاء من شاء وأبى من أبى، كانت ولا تزال الحائط العربي الصلب في زمن الانهيارات، والصوت العاقل في زمن المزايدات. فمن يريد فعلاً أن يدعم فلسطين، فليتوقف عن التلاعب بجراحها، ولينظر إلى مصر لا كخصم، بل كركيزة صلبة حافظت على الحد الأدنى من الكرامة العربية حين كان الجميع يبيع الموقف بثمن بخس.

ارحموا غزة من مسرحياتكم، واتركوا لمصر أن تواصل دورها بشرف، بعيدًا عن استعراضات جوفاء لن تُشبع جائعًا، ولن تداوي جرحًا، لكنها قد تفتح جراحًا أخرى… في قلب العروبة نفسها.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *