راديو إكسبرس
البث المباشر
اوسار احمد/
توفيق بوعشرين، بدل أن يختار الصمت أو الاعتذار بعد خروجه من السجن بعفو ملكي، قرر أن يعود إلى المشهد بموجة مقالات وفيديوهات هدفها واضح: تلميع صورته، والانتقام ممن وضعوا حدًا لمغامراته الجنسية التي أساءت إلى مهنة الصحافة وإلى ضحاياه من النساء.
بوعشرين يعتقد أن بإمكانه خداع الرأي العام مرة أخرى، تمامًا كما كان يعتقد أن منصبه كمدير جريدة مشبوهة التمويل سيمنحه حصانة أبدية. لكنه تجاهل أن زمن الحصانات الزائفة انتهى. وأن المجتمع بات يعرف الفرق بين من يُلاحق بسبب رأي، ومن يُدان بسبب جرائم مثبتة في حق موظفات وجدْن أنفسهن في “بورديل” مهني، لا صوت لهن فيه أمام غطرسة رجل جعل من مكتبه مساحة للاستعباد الجنسي، مغطاة بعنوان براّق: “الصحافة المستقلة”.
هو اليوم ينتج حلقات “بودكاست” لا لقول الحقيقة، بل لإعادة بناء سردية جديدة يحوّل فيها نفسه من مُدان إلى “مفكر”، ومن متحرّش إلى ناقد سلطوي. يسرد فيها وقائع مشوشة، محاطة بموسيقى درامية، وكأنها حلقات تطهير ذاتي لا تحمل أي ذرة ندم، فقط غيضًا مقنّعًا من عدالة لم يستطع التملص منها إلا بالعفو.
الخطير ليس فقط في محاولاته إقناع الناس بأنه ضحية، بل في تجاهله التام لمعاناة ضحاياه. لم نسمع منه كلمة اعتراف واحدة. لم نقرأ جملة مراجعة صادقة. بل رأيناه يعود من بوابة المظلومية السياسية التي صارت ملجأ كل فاشل أخلاقي.
هذا الانحدار الأخلاقي لا يجب أن يمر بصمت. فأن يتحول الجاني إلى موجه للرأي العام، دون محاسبة رمزية أو مراجعة نقدية، فتلك إهانة لكرامة الضحايا، وضرب لمصداقية الصحافة، واستغلال جديد لمنصات الإعلام لإعادة تدوير السقوط.
بوعشرين لم يتعلم الدرس. ما زال يراهن على جمهور قصير الذاكرة، وإعلام قابل للابتزاز، وأجهزة ضبط ذاتي فقدت حسّها النقدي. لكن الحقيقة تظل أقوى من السرديات المختلقة. من خان مهنته، وخان ثقة النساء اللواتي كنّ تحت سلطته، لا يحق له أن يتحدث عن السلطة والعدالة. بل عليه أن يصمت، أو يعتذر، أو يواجه ذاكرته أولًا.
![]()









