توفيق ناديري/
في خروج إعلامي ملتبس وغير معهود ،لبس اليوتوبر توفيق برعشرين، عباءة المؤثر الشعبوي في محاولة تقييمه لأداء الإعلامي العمومي والرسمي كما وصفه.
وحاول بوعشرين في خرجته الأخيرة ،أن يخلط الأوراق وأن يصفي حساباته القديمة، مع مسؤولي الإعلام العمومي ،من خلال منهجية تعيد الأجواء التي واكبت مغرب ما بعد 2011،وما خصصه البيجيدي من أذرع إعلامية معروفة ، لمواجهة مسؤولي مؤسسات الدولة الإعلامية وما تركته تلك الأجواء ، من نقاشات عنيفة حاولت النيل من فيصل العرايشي وسليم الشيخ وسميرة سيطايل…..،وكان حينها منبر بوعشرين من أشد الضاغطين في اتجاه التغيير تناغما مع أجندات دعوية وسياسوية وبخطاب كان حينها ماكرا وشرسا وعميقا ،قبل أن ينقلب الحال وتتغير السنون، وليعود بوعشرين، بخطاب شعبوي صرف يدغدغ مشاعر متابعيه، ويلعب في المناطق الرمادية داخل حلبة صراع القرار الإعلامي الرسمي.
خطاب شعبوي جعل بوعشرين في خرجته يرمي سهامه اتجاه المؤسسات السيادية (لاماب،Snrt ،ميدي آن ،دون ذكر القناة الثانية ) ما يعني فهما دقيقا لما يعتمل في الخفاء من قرارات وصراعات ،إلا أن القول بعدم جدوى تلك المؤسسات ينطوي على مكر وتصدير مقصود للجهل، لمشاهديه البسطاء، بما يبرر الشعبوية من صحفي سابق متمرس و خبر الإعلام الرسمي، وكان من المحركين الأساسيين ضده في كل تجاربه الإعلامية السابقة،ويعرف تمام المعرفة الوظيفة السيادية للإعلام العمومي الذي لا تحددها معايير المتابعة أو التفاعل ،أكثر ما تؤطرها(أي الوظيفة ) الخدمة العمومية والسيادية الإعلامية والأمن الإعلامي وغيرها من الوظائف الأصيلة للإعلام الرسمي في كل الدول .
ويمكن تلمس الشعبوية المقصودة لخرجة بوعشرين محاولته التركيز على مفهوم’القطب ‘ وتبخيس مجهود زملائه الصحافيين السابقين في المنشآت السمعية والبصرية والمكتوبة،دون دليل أو مؤشر أو دراسة علمية ،إلا أن اللافت عدم قدرته على تفكيك القطب العمومي ومعرفة مآل إصلاح الشركات السمعية البصرية، ودمجها كمشروع ملكي صرف صادر عن قرار مجلس وزاري سابق،ما يعزز مفهوم إصلاح المنظومة الإعلامية السيادية كواجهة للتنمية ورافعة للإشعاع الثقافي والهوية الوطنية في فضاء إعلامي إقليمي تتسارع فيه التحولات والتحالفات.
وإن بناء القطب العمومي الذي وصل لمراحله الأخيرة لا يشكل فقط تحولا ماليا صرفا،،وإنما هو تحول جذري يمهد لمغرب 2030 في تمثلاته الإعلامية والسيادية .
و إن الأمر الذي لم يقله بوعشرين لمتابعيه كتمرين ثالث للشعبوية ،أن منطق الدولة يختلف عن أحلام وأوهام الأفراد، وأن منطق التعيينات في المناصب السيادية المكفولة حصرا لرئيس الدولة، لا تؤثر فيها الشعارات والتحريضات والخطابات الشعبوية الجوفاء ،وإنما تحكمها معايير رجالات الدولة.
وإن عملية الإصلاح في قطاع حيوي حساس لا يمكن بكل حال من الأحوال،أن تتبلور، إلا من خلال دراسة ومعالجة القضايا الشائكة والمفصلية الدقيقة في الشركات السمعية البصرية الوطنية من طرف من أشرفوا على تأسيس تلك الشركات ووضعوا لبنات الإصلاح المنشود،وإن الخلاف الذي يمكن أن يحدث في تدبير ملف معين ،لا يمكن أن يتجاوز سقف المسموح به،ولا يؤثر على صناعة القرار الإعلامي داخل قطب يمكن أن يستوعب المختلفين ضمن منظومة سيادية متكاملة وموحدة حول القضايا الوطنية داخل المغرب وخارجه .
وإن المختلفين، وإن كانوا أعداء، مع فيصل العرايشي ، كرئيس مدير عام للشركة الوطنية للإذاعةوالتلفزة، ورئيس المجلس الإداري لكل من شركة’ صورياد دوزيم’ وشركة’ ميدي آن’ وشركة’ ميدي آن تي في، لا يسعفهم المنطق للقول إن الرجل لم يقدم شيئا للإعلام العمومي،فمنطق الأشياء تقول إن العرايشي رجل دولة بامتياز، ولا أحد من الوطنيين يمكن أن يجادل حول دوره في لحظات مجتمعية صعبة وحساسة،دور يضع الدولة كأولوية دون غيرها بعيدا من التمثلات والأوهام والتحالفات والاصطفافات .
وإن عدم التوافق مع العرايشي، بخطاب منطقي وعادل وليس بخطاب شعبوي،لا يعفينا من القول،بكل أمانة وتجرد، إن الرجل تسلم قناة وإذاعة،واستطاع أن يخلق شركة بقنوات متعددة المهام والوظائف ، رغم صعوبة التحول وقسوتها، وأن يضمن بقاء شركة أخرى، و أن يشرف على هيكلة ما تبقى من الشركات الوطنية رفقة باقي الفاعلين .
إن مرحلة العرايشي تجربة فريدة في تاريخ إعلامنا، يحق للباحثين والطلبة، أن تقارب بالدرس والتحليل والنقد والعدل أحيانا ،بدل تصدير خطابات انطباعية وشعبوية تنضاف لما يردده أعداء الخارج من استهداف للمؤسسات السيادية ورجالات الدولة