اوسار أحمد
في وقت تتعاظم فيه التحديات الأمنية الإقليمية والدولية، يصر بعض الأصوات المقيمة بالخارج، وعلى رأسهم هشام جيراندو، على تغذية الشكوك والتشويش على مؤسسات الدولة المغربية، من خلال إعادة تدوير روايات متهافتة حول وجود صراعات داخلية بين قادة الأجهزة الأمنية، دون أن يقدم دليلاً واحداً ملموساً يدعم ادعاءاته.
جيراندو، الذي غادر المغرب واختار بث محتوى مثير للجدل من كندا، يروج منذ مدة لفرضية صراع مزعوم بين السيد عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، والسيد ياسين المنصوري، المدير العام لإدارة الدراسات والمستندات. وهي فرضية لم تعد تثير إلا السخرية لدى المتابعين الجادين، خصوصاً في ظل التناقض الصارخ في مواقفه وتصريحاته. في فيديو واحد، يدعم المنصوري ضد حموشي، ثم لا يلبث أن ينقلب تماماً في محتوى آخر ليدعم حموشي ضد المنصوري، في ما يبدو أنه بحث مستمر عن خلق جدل وهمي لجذب المشاهدات.
هذه الادعاءات لا تصمد أمام المعطيات الميدانية والوقائع المعروفة داخل وخارج المغرب. فالتنسيق الأمني بين المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لإدارة الدراسات والمستندات هو ركيزة من ركائز الاستراتيجية الأمنية المغربية، وهو ما أكدته تقارير دولية وشهادات أجهزة استخباراتية في بلدان شريكة. في السنوات الأخيرة، نفذت الأجهزة المغربية عشرات العمليات المشتركة التي أحبطت تهديدات إرهابية خطيرة، وأسهمت في تفكيك خلايا تنشط في تجنيد الشباب ونقل الأموال والأسلحة، بعضها تم بالتعاون مع أجهزة أمنية أوروبية، بناء على معلومات قدمتها الرباط.
المؤسسات الأمنية المغربية تشتغل وفق منطق تكاملي لا يسمح بفرضيات الصراع التي يروجها جيراندو. فالأمن الوطني مسؤول عن حماية الجبهة الداخلية، بينما تتولى إدارة الدراسات والمستندات حماية المصالح الاستراتيجية للمملكة خارجياً. هذا التقسيم الواضح للمهام يُدار بتنسيق عالي المستوى، تحت إشراف مباشر من المؤسسة الملكية التي تضع الأمن القومي في صدارة الأولويات. كل المؤشرات الميدانية تؤكد أن العلاقة بين حموشي والمنصوري ليست فقط مهنية ومنظمة، بل قائمة على الثقة والتنسيق المستمر.
المغرب ليس في موقع الدفاع عن نفسه أمام مزاعم غير مؤسسة، لكنه معني بالحفاظ على مصداقية مؤسساته وصورة أجهزته الأمنية، خصوصاً بعد النجاحات التي حققها في مكافحة الإرهاب، وتفكيك الشبكات العابرة للحدود، والمساهمة الفاعلة في الأمن الإقليمي بمنطقة الساحل والبحر المتوسط. الأرقام تتحدث هنا: أكثر من 200 خلية إرهابية جرى تفكيكها خلال العقد الأخير، إضافة إلى إحباط عدد من المخططات كانت ستُنفذ في بلدان أوروبية بناء على معلومات استخباراتية مغربية.
المنهج الذي اختاره هشام جيراندو لا علاقة له بالتحليل الجاد ولا بالنقد البناء، بل هو أقرب إلى إنتاج محتوى مضلل يستهدف إحداث شرخ وهمي بين مؤسسات الدولة، عبر مقاطع عشوائية ومتناقضة، تخلو من المصادر أو الأدلة أو حتى الحد الأدنى من المنطق الصحفي. والنتيجة أن المحتوى الذي يقدمه لا يصمد أمام التحليل ولا يجد صدى إلا في أوساط تبحث عن الإثارة وليس الحقيقة.
الواقع الأمني في المغرب لا تحكمه الصراعات بل الكفاءة، ولا تسيّره الخلافات بل التنسيق، ولا تحدده التصريحات الخارجية بل الوقائع الميدانية التي تقر بها الدول الكبرى والمؤسسات الأمنية العالمية. المغرب اليوم لا يحتاج لتبرئة نفسه من مزاعم لا أساس لها، بل يواصل عملياً تعزيز أمنه القومي، بقيادة ملكية واضحة واستراتيجية متماسكة، وبجهود منسقة بين رجال أمن أثبتوا في كل محطة أن أمن الوطن فوق كل اعتبار.
1 86 زيارة , 2 زيارات اليوم