راديو إكسبرس
البث المباشر
نجيبة جلال/
لا شيء يكشف عطب السياسة أسرع من فضيحة أخلاقية تهز أركان حزب يفترض أنه من حراس الديمقراطية. ومع انفجار قضية جديدة داخل الاتحاد الاشتراكي، يعود السؤال المؤجَّل إلى الواجهة: ما الذي تبقّى من صورة الأحزاب حين تتحول من مؤسسات للتأطير إلى منصات لتبادل الضربات تحت الحزام؟ فالقصة ليست حادثًا عابرًا ولا إشاعة موسمية، بل واقعة صادمة تضع حزبًا بكامل تاريخه أمام امتحان تتقاطع فيه الأخلاق بالسياسة، والمسؤولية بالمحاسبة.
القضية، بتفاصيلها الثقيلة، تكشف ممارسات تُشبه أكثر ما تُشبه عقلية العصابات: اختراق غير قانوني لمؤسسات، تعبئة داخلية ضد مناضلين، حملات إعلامية لتشويه مواطنين ورفاق، ثم وساطات مالية غامضة لتوجيه الدعم نحو مقاولات صحفية. كل عنصر من هذه العناصر كفيل وحده بفتح نقاش وطني حول سلوك الفاعلين السياسيين، فكيف إذا اجتمعت في ملف واحد، وفي قلب حزب ظلّ يقدّم نفسه لسنوات باعتباره عنوانًا للنضال الحديث؟
عقب هذا المنعطف، يصبح السؤال ملحًّا: هل سيواجه حزب الوردة نفسه بشجاعة، أم يكتفي بإدارة العاصفة بمنطق الصمت والترقيع؟ لأن ما نراه اليوم لا يرتبط فقط بخطأ تنظيمي، بل يكشف هشاشةً داخلية أصبحت تتكرر بشكل يدعو للقلق، ويضع مصداقية العمل الحزبي برمّته على المحك.
في هذا الصدد، لا يمكن تجاهل التحذيرات الملكية المتكررة التي شددت على تخليق الحياة العامة وتعزيز المسؤولية داخل المؤسسات السياسية. غير أن الواقع يؤكد، مرة أخرى، أن جزءًا من الأحزاب لم يستوعب حجم التحول الذي يعيشه المجتمع، ولا حجم الضرر الذي تُحدثه الفضائح الأخلاقية حين تُدار بمنطق التستر بدل الشجاعة.
وعليه، فإن السؤال الذي يطرحه الرأي العام اليوم ليس بسيطًا: كيف يمكن لهيئة سياسية أن تطلب ثقة المواطنين، وهي عاجزة عن ضبط سلوك قياداتها أو وضع حد لاختلالات تضرب في العمق قيم النزاهة التي يفترض أن تُؤطَّر بها الحياة الحزبية؟ وما الذي يمنح أي حزب الحق في الحديث عن “الإصلاح” بينما أزمته الأخلاقية تتفاقم داخل بيته الداخلي؟
المغاربة يريدون أحزابًا قوية بالفعل، لا قويّة بالشعارات. يريدون تنظيمات تُربي أبناءها على قيم النضال الشريف ونظافة اليد، وتضع حدًّا للصراعات الصغيرة التي تسيء للسياسة وتُمعن في تدمير الثقة. فالقوة الحقيقية لا تُقاس بعدد المقاعد، بل بصلابة المعايير الأخلاقية التي تحكم السلوك الداخلي.
اليوم يقف حزب الوردة أمام مفترق حاسم: إما أن يختار الطريق الصعب، طريق التطهير الداخلي ومحاسبة المتورطين وإعادة الاعتبار لقيمه التاريخية، أو يواصل سياسة التغطية التي قد تمنحه هدوءًا مؤقتًا لكنها ستسحب ما تبقّى من رصيد مصداقيته. والمشهد الحزبي في المغرب لم يعد يحتمل المزيد من الأعطاب.
إنها لحظة امتحان حقيقي، ليس للاتحاد الاشتراكي وحده، بل للسياسة كلها: إما استعادة المعنى… أو السقوط في هاوية فقدان الثقة، وهي هاوية لا يعود منها أحد.
![]()









