السوسيوميديا كأداة حرب – استهداف القضاء ودفع الفوضى الموجهة

السوسيوميديا كأداة حرب – استهداف القضاء ودفع الفوضى الموجهة

- ‎فيعلى مسؤوليتي, واجهة
IMG 20250218 WA0147
إكسبريس تيفي

 

ميمونة الحاج داهي/

حين تتحول السوسيوميديا إلى ساحة حرب..استهداف القضاء ورهانات الفوضى الموجهة..

في زمنٍ أصبحت فيه الحقيقة مجرد وجهة نظر، تحولت السوسيوميديا من فضاءٍ افتراضي إلى سلاح فتاك يُعاد تشكيل الوعي الجماعي من خلاله، حيث تختلط المعلومات بالافتراءات، والحقائق بالأكاذيب، والخطاب الحر بحملات التشهير الممنهجة. لم يعد الأمر يقتصر على التعبير عن الآراء، بل باتت بعض المنصات ميدانًا لحروب تُخاض بذكاء، دون ضجيج المدافع، ولكن بأثرٍ لا يقل تدميرًا.

في هذا المشهد المتشابك، يبرز نموذج هشام جيراندو، الذي لا يتوانى عن استخدام الإعلام الرقمي كأداة لضرب مؤسسات الدولة المغربية، وعلى رأسها الجهاز القضائي، وهو أحد الأعمدة الأساسية لاستقرار أي دولة. عندما يصل الهجوم إلى حد وصف القضاة بـ”الكلاب”، والتوعد بحملة تشهير ممنهجة، فإن المسألة تتجاوز النقد إلى محاولة تقويض شرعية السلطة القضائية، ودفع الرأي العام نحو الشك والريبة في مؤسساته، كخطوة أولى نحو زعزعة الاستقرار وبث الفوضى النفسية قبل الميدانية.

الضرب في القضاء ليس اختيارًا اعتباطيًا، بل هو تكتيك مدروس. فالتشكيك في نزاهة العدالة يعني التشكيك في شرعية الدولة نفسها، وإضعاف الثقة في ركائزها. لقد أظهرت تجارب دولية أن الهجمات الإعلامية الموجهة ضد السلطة القضائية غالبًا ما تكون تمهيدًا لمراحل أكثر خطورة، حيث تُستخدم هذه الاستراتيجية لخلق حالة من الفوضى القانونية، تفتح الأبواب أمام الفاعلين في الظل لتنفيذ أجنداتهم. وحينما تُصنع الأكاذيب بمهارة، ويتم تضخيمها بفضل آليات الانتشار الرقمي، تتحول السوسيوميديا إلى ساحة معركة غير متكافئة، حيث الدولة مُلزمة باتباع القوانين، بينما خصومها يستغلون الفوضى المعلوماتية لتحقيق أهدافهم.

لكن البُعد الأخطر لهذه الظاهرة ليس إعلاميًا فقط، بل أمني بامتياز. فحين يتحول شخص مقيم خارج البلاد إلى رأس حربة في هجوم متواصل ضد مؤسساتها، يصبح من المشروع التساؤل: من يدعمه؟ ومن المستفيد من هذه الحملات؟ ليست هذه المرة الأولى التي تُستخدم فيها شخصيات مستقرة بالخارج كأدوات لحرب إعلامية ضد الدول، حيث أظهرت تجارب سابقة أن مثل هذه الحملات غالبًا ما تكون جزءًا من مخططات أوسع تهدف إلى خلق اضطرابات داخلية من خلال بث الشكوك والانقسامات. الإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح أداة تُستخدم بوعي لإعادة تشكيل المزاج العام وتوجيه الرأي العام في مسارات معينة، أحيانًا بأيدي أشخاص يجهلون أنهم مجرد بيادق في لعبة أكبر.

القضاء الكندي، رغم إصداره عدة أحكام تدين جيراندو، لم يستطع وضع حد نهائي لهذه الحملات، وهو ما يسلط الضوء على تحدٍ قانوني عابر للحدود: كيف يمكن محاسبة شخص يستخدم فضاءً رقميًا غير مقيد بالجغرافيا؟ هنا يظهر الفراغ التشريعي الذي يسمح لمثل هذه الشخصيات بالإفلات من العقاب، مستغلة الثغرات القانونية في الأنظمة الرقمية العالمية، حيث تصبح سيادة الدولة عاجزة أمام منصات لا تعترف بالحدود الوطنية.

إن المواجهة مع هذه الظاهرة لا تقتصر على الجانب القانوني فقط، بل تتطلب تحصين الجبهة الداخلية، وتعزيز الوعي المجتمعي بخطورة التضليل الإعلامي. فالمعركة لم تعد بين شخص ودولة، بل بين الحقيقة والتشويه، بين الاستقرار والفوضى الناعمة، بين دولة تحاول الدفاع عن سيادتها، وأفراد جعلوا من السوسيوميديا ميدانًا لحرب خفية، لا تُرى أسلحتها إلا بعد أن تكون قد أوقعت أولى ضحاياها.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *