بقلم: نجيبة جلال
في قلب التحولات العاصفة التي يشهدها الشرق الأوسط، بدأت تتساقط الأساطير واحدة تلو الأخرى، وعلى رأسها السردية الإيرانية النووية التي طالما رُوّج لها كفزاعة إقليمية، وذريعة استراتيجية لبسط النفوذ والتغلغل في العمق العربي.
من تصريحات نارية لنتنياهو عن خروج إيران من المعادلة السورية، إلى إعلان ترامب عن رفع العقوبات على نظام سوري جديد برئاسة “الشرع”، مررًا بتطبيع مبطن بين دمشق وتل أبيب، تتضح معالم تسوية كبرى تعيد هندسة المنطقة على أنقاض مشاريع الدماء والمليشيات.
لم تعد طهران تتحكم في القرار داخل سوريا، ولم يعد حزب الله الرقم الصعب الذي يُفرض على الطاولة. الصورة الجديدة تقول إن إيران انتهت فعليًا من سوريا، سياسيًا وأمنيًا، وأن الشرق الأوسط بدأ يتنفس دونها، ولو مرحليًا، بعد أن كان يختنق من عبء مشروعها الطائفي والعسكري.
لكن ما يُثير السخرية أكثر من التغيرات في دمشق أو طهران، هو حجم الغباء السياسي لدى بعض المتعاملين مع إيران داخل المغرب. أولئك الذين ما زالوا حتى اللحظة يراهنون على نظام ثيوقراطي مأزوم، ويستوردون خطابه التعبوي المفرغ من أي مضمون حضاري أو واقعي. هؤلاء الذين نسجوا علاقات ثقافية وإعلامية مشبوهة تحت الطاولة، واختبأوا خلف شعارات مقاومة لا يقاتلون فيها إلا خصومهم الداخليين، كانوا ولا زالوا أدوات مجانية في خدمة المشروع الإيراني دون وعي أو بوعي مفرط في الخيانة.
أما عبد الإله بنكيران وصحبه، فلا يمكن إدراجهم سوى في خانة “الكوميديا السياسية السوداء”. شطحاتهم المتكررة بين المظلومية والبطولة، بين السبّ العلني والمداهنة الخفية، بين منابر الشعبوية وأبواب السفارات، تحوّلت إلى حالة مرضية من الانفصام الوطني. لا مشروع، لا بوصلة، لا خط استراتيجي سوى رقصة على إيقاع “المعارضة من أجل الاستعراض”.
بنكيران الذي خرج من رئاسة الحكومة كمن خرج من مشهد لا يفهمه، ترك خلفه تيارًا غارقًا في الحنين للشعبوية، يتغذى على شعارات الخوف من “التطبيع”، لكنه يصمت صمت القبور أمام اختراقات إيران وتشييع العقول والقلوب.
اليوم، وبينما تُطوى صفحة إيران في دمشق، وتُفتح صفحات جديدة لمعادلات السلام الصعب، تسقط الأقنعة في الرباط. تتضح حقيقة الذين باعوا أنفسهم لمشاريع دخيلة تحت عباءة القضية الفلسطينية، وهم في الحقيقة لا يخدمون سوى أجندات لا وطنية ولا إسلامية.
إن سقوط سردية إيران النووية ليس مجرد لحظة سياسية في المنطقة، بل كشف حقيقي لمن راهنوا على العتمة، حين كان وطنهم يُضيء مساره بخطى سيادية صلبة.
أما المغرب، فكان وسيبقى خارج محاور الخراب، لأنه ببساطة يختار أمنه الوطني على حساب ألاعيب الشعارات، ويقرأ المنطقة بعين الدولة، لا بعين الوهم الثوري المتخلف.