تشارلز كوبتشان : أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون وكبير زملاء مجلس العلاقات الخارجية.
لم يظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو الرئيس الأميركي دونالد ترمب كونه لاعبا حكيما ومتزنا على الساحة العالمية. فكل منهما ينغمس بانتظام في اندفاعات متهورة ويتعامل مع فن إدارة الدولة من باب الانتهازية السياسية. ومع ذلك، كانت الحملة العسكرية المشتركة التي شنّتها الدولتان ضد إيران منطقية ومعقولة. كان لإسرائيل ما يبرر مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وكانت الولايات المتحدة محقة في الانضمام إلى المعركة، باستخدام قنابلها الخارقة للتحصينات لضرب فوردو (مصنع تخصيب اليورانيوم الإيراني المدفون عميقا)، بالإضافة إلى منشأتين نوويتين أخريين.
ولكن الآن بعد أن أثبتت إسرائيل والولايات المتحدة قوتهما العسكرية الساحقة، يجب أن تضعا نصب أعينهما الآن نهاية اللعبة الدبلوماسية وليس العسكرية. فالضربات الجوية قد تكون قادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية القائمة، ولكنها تعطي إيران حافزا أكبر لإعادة بناء تلك المنشآت سعيا وراء امتلاك رادع نووي. وبناء على ذلك، يجب على إسرائيل والولايات المتحدة استخدام حملتهما العسكرية المشتركة كأداة للدبلوماسية القسرية. يجب أن يُـفضي العمل العسكري إلى اتفاق على طاولة المفاوضات لتحييد التهديد الذي تفرضه إيران على إسرائيل والمنطقة بشكل دائم.
قبل بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية في الثالث عشر من يونيو/ حزيران، كانت إيران تخزّن اليورانيوم من درجة قريبة من تلك المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية. وفي مايو/أيار، حددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مدة ثلاثة أسابيع فقط لتحويل المخزون الحالي في مصنع فوردو إلى يورانيوم يكفي لتصنيع تسع أسلحة نووية. وفي حين قد تحتاج إيران إلى وقت إضافي لإتقان عملية بناء مثل هذه الأسلحة، فإن حقيقة أن اليورانيوم العالي التخصيب ليس له استخدامات مدنية ــ إلى جانب الأدلة التي تؤكد جهود إيران السابقة لبناء أسلحة نووية ــ لم تكن مدعاة للقلق الشديد فحسب، بل للعمل العسكري.
قبل الضربات الإسرائيلية الأولى التي استهدفت إيران، دفع هذا القلق البالغ كلا من إدارتي بايدن وترمب إلى محاولة تحييد التهديد النووي الإيراني الذي يلوح في الأفق على طاولة المفاوضات. لكن الجمهورية الإسلامية رفضت إبرام اتفاق.
كما كانت إيران شفافة للغاية بشأن نواياها الاستراتيجية الخبيثة. فقد أمضت سنوات في بناء جيشها، ودعت علنا إلى تدمير إسرائيل، ودعمت بنشاط حماس وحزب الله وجماعات متطرفة أخرى. وتشكل قدرات إيران العسكرية الخاصة، وكذا قدرات وكلائها، تهديدا مباشرا وفعليا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة ــ بما في ذلك القواعد والقوات الأميركية، والملاحة الدولية، وتدفق النفط والغاز، وأمن شركاء أميركا في الخليج. في ظل هذه الظروف، كان من الحماقة أن يقف العالم موقف المتفرج بينما يستمر البرنامج النووي الإيراني في التقدم.
ولكن في حين تستند إسرائيل والولايات المتحدة إلى أسباب وجيهة للسعي إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، فإن القوة العسكرية وحدها لن تؤدي إلى حل دائم. فقد ينتهي الأمر بتدمير البرنامج النووي الإيراني جزئيا فقط، وحتى لو أُعيق البرنامج النووي الإيراني إلى حد كبير، فلا يزال من الممكن إعادة بنائه، ربما بشكل أكثر خفية. علاوة على ذلك، إذا لم تجد إيران أي مخرج دبلوماسي، وإذا خاف نظامها الثيوقراطي على بقائه، فمن المحتمل أن توسع الحرب بدافع اليأس، وقد يؤدي هذا إلى صراع يشمل المنطقة بالكامل.
الآن بعد أن دخلت الولايات المتحدة الحرب، عليها أن تحاول مرة أخرى التوصل إلى نهاية دبلوماسية. فإيران لديها حوافز قوية للتوصل إلى اتفاق وقبول قيود صارمة على برنامجها النووي، فضلا عن عمليات التفتيش التدخلية. لقد جرى تدمير وكلاء إيران الإقليميين، وتواجه قيادتها العسكرية وبنيتها الأساسية هجمات شرسة. ومع سيطرة إسرائيل والولايات المتحدة بشكل فعّـال على مجال إيران الجوي، فإن قدرة إيران على الرد تتضاءل يوما بعد يوم. ببساطة، أصبحت يد إيران ضعيفة على نحو فريد، الأمر الذي يجعل هذه اللحظة مثالية لانتزاع تنازلات على طاولة المفاوضات.
ترمب أيضا لديه من الحوافز القوية ما يدفعه إلى العودة إلى الدبلوماسية. فبرغم أنه قرر دخول الحرب، فإنه يواجه معارضة قوية من الكادر العريض من الانعزاليين الجدد في قاعدته السياسية. وحتى لو أرادت إسرائيل مواصلة الحملة (ربما بهدف إسقاط النظام الإيراني)، فإن ترمب ليس لديه مصلحة في مستنقع آخر في الشرق الأوسط. إذ تتلخص لعبته في إظهار القوة، ثم العمل كصانع صفقات يجلب السلام إلى الشرق الأوسط.
قد يكون السعي إلى تغيير النظام مغريا، لكن إسقاط الجمهورية الإسلامية بالقوة سيكون خطأ فادحا. فمن المستحيل التنبؤ بنوع الحكومة التي ستأتي بعد ذلك، ناهيك عن احتواء التداعيات الإقليمية التي قد تصاحب الفوضى السياسية في إيران. وبالنظر إلى الجوار غير المستقر، فإن انهيار النظام في إيران قد يؤدي بسهولة إلى انتشار العنف الطائفي والعرقي إلى مناطق بعيدة.
لقد تعلمت الولايات المتحدة بالفعل هذا الدرس بالطريقة الصعبة. فقد كلفت تدخلاتها في أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا تريليونات الدولارات ولم تسفر عن أي خير يُـذكَـر. ومهما حدث في إيران، فإن أمرا واحدا يظل مؤكدا: لا ينبغي لترمب أن ينخرط، ولن يفعل، في أي عملية بناء دولة. وإذا انهارت إيران، فمن المؤكد أن إدارة ترمب لن تأتي لإنقاذ البلاد.
من المؤكد أن معظم سكان إيران ضاقوا ذرعا بهذه الحكومة الثيوقراطية التي أشرفت على الانهيار الاقتصادي، والقمع الاجتماعي، والحملات العنيفة ضد الاحتجاجات والمعارضة. لكن الحرب الحالية أدت أيضا إلى التفاف الإيرانيين حول راية البلاد، كما نجح الجهاز الأمني الوحشي الذي يستعين به النظام في الحفاظ على أمنه وسلامته، على الأقل في الوقت الراهن.
بعد ما يقرب من نصف قرن من الزمن، قد يكون النظام على وشك الانتهاء. ولكن في حال سقوطه، يجب أن يأتي التغيير من الداخل، لا أن يُفرض من الخارج. وأفضل طريقة لتسهيل تحقيق هذا الهدف تتمثل في إنهاء الحرب على طاولة المفاوضات. بعد ذلك، سيكون الأمر متروكا لمواطني إيران لإزالة القيادة التي فشلت على كل الجبهات. وقد تؤدي هذه النتيجة ــ رغم أنها بعيدة عن أن تكون مضمونة ــ إلى تشكيل حكومة معتدلة ربما تمهد الطريق أمام السلام الإقليمي الأعرض الذي يتوق ترمب إلى ادعاء الفضل فيه.