رولا دشتي : الأمينة العامة المساعدة والأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).
كلافير غاتيتي : الأمين العام المساعد والأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا
محمود محيي الدين : المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 والرئيس المشارك لفريق الخبراء المعني بالديون، وقد شغل سابقا منصب وزير الاستثمار في مصر (2004-2010)، ونائبا أول لرئيس مجموعة البنك الدولي، ومديرا تنفيذيا لصندوق النقد الدولي.
مع تفاقم أزمة المناخ، يمضي كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في تنفيذ آلية تسعير الكربون على حدود التجارة، مقدّمين إياها كأداة محورية تربط بين السياسات التجارية والمناخية. غير أن هذه الأداة الطموحة تواجه حالياً معارضة متزايدة.
تفرض هذه الآلية سعراً على المحتوى الكربوني للسلع المستوردة ذات الانبعاثات المرتفعة مثل الصلب والألمنيوم والإسمنت، بهدف دعم نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي وخلق بيئة منافسة متكافئة بين المنتجين المحليين ونظرائهم الأجانب، مما يُفترض أن يشجع على اعتماد ممارسات إنتاج صديقة للبيئة حول العالم.
ورغم دعم البرلمان الأوروبي لمقترحات تبسيط هذه الآلية، إلا أن تصميمها الحالي وسرعة تنفيذها قد يهددان مشروعيتها. فهي لا تبدو وكأنها تدفع نحو انتقال عادل للطاقة، بل قد تثير توترات تجارية، وتزيد من التجزئة الاقتصادية، وتفاقم التفاوتات، ولا تحقق سوى فوائد مناخية محدودة.
بدأت المرحلة الانتقالية للآلية في أكتوبر 2023، حيث يُطلب من المستوردين الإبلاغ عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بسلعهم دون دفع رسوم. لكن ابتداءً من يناير 2027، ستُفرض رسوم فعلية على الواردات ذات الكثافة الكربونية العالية.
معظم بلدان الجنوب العالمي – وخاصة المصدّرة الرئيسية إلى الاتحاد الأوروبي – ليست مستعدة لهذا التحول، إذ تفتقر إلى القدرات الفنية لتتبع والإبلاغ عن الانبعاثات، والبنية التحتية المؤسسية اللازمة للتحقق منها، والحيّز المالي اللازم لتحمل تكاليف الالتزام. ويعكس هذا الواقع نظاماً عالمياً غير متكافئ، تتحمل فيه البلدان الأقل مسؤولية عن أزمة المناخ العبء الأكبر من تبعات العمل المناخي.
ورغم نُبل أهداف الآلية المعلنة، إلا أن تطبيقها بصيغتها الموحدة على دول ذات قدرات مختلفة يتعارض مع مبدأ العدالة في التحول الطاقي، ويقوض شرعية العمل المناخي العالمي. لا تزال العديد من الاقتصادات النامية تتعافى من جائحة كوفيد-19 وتواجه أعباء ديون متصاعدة، إلى جانب تعرضها الحاد لصدمات المناخ. ورغم ذلك، يُطلب منها الامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة رغم افتقارها للبيانات الكافية، والتكنولوجيا النظيفة، والبنى التنظيمية، والتمويل المناخي اللازم.
يزداد الوضع سوءاً مع توجيه عائدات هذه الآلية إلى ميزانيات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بدلاً من تخصيصها للتمويل المناخي الدولي أو دعم الدول المتأثرة. هذا الخلل في التصميم يعزز الانطباع بأن الآلية ليست أداة لتحقيق أهداف المناخ العالمية، بل وسيلة حمائية تجارية مغلفة بخطاب بيئي.
وقد تكون للعواقب الجيوسياسية آثار خطيرة، خصوصاً في وقت يشهد تراجعاً في التعاون متعدد الأطراف وتصاعداً في التوترات التجارية. دون إشراك أوسع ودعم ملموس للدول المتضررة، قد تؤدي الآلية إلى تفتيت اقتصادي وتقويض الثقة الدولية في لحظة بالغة الأهمية للعمل المناخي.
لكن يمكن إصلاح هذه الآلية. فمن خلال إصلاحات مدروسة، يمكن تحويلها من أداة جامدة إلى محفّز لانتقال مناخي عادل. لتحقيق ذلك، على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التفكير في تأجيل تطبيق الرسوم المالية حتى عام 2028 على الأقل، ما يمنح الدول النامية وقتاً للتكيف.
ويجب أن يستند هذا التأجيل إلى إطار شراكة استراتيجية يوجه الموارد نحو إنشاء أنظمة تتبع الانبعاثات، وتعزيز القدرات التنظيمية، وتطوير أسواق الكربون، وتسريع الاستثمارات الصناعية الخضراء في الاقتصادات المعرضة للمخاطر المناخية.
كما ينبغي تخصيص جزء من عائدات الآلية لشراكات المناخ الدولية، لتعزيز العدالة، وبناء الثقة مع الدول النامية، وضمان أن تسعير الكربون يشكل حافزاً وليس عقوبة. والأهم، يجب ألا تُقدَّم الآلية على أنها حل نهائي، بل خطوة نحو نظام أكثر تنسيقاً وشمولاً لتسعير الكربون. ويمكن أن يساهم الاعتراف المتبادل بالأنظمة الوطنية، والمرونة في السياسات، ووضع حدود انتقالية، في منع الانقسام وتعزيز التنسيق الدولي.
يمتلك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة القدرة والنفوذ لتشكيل المعايير العالمية، لكن القيادة المناخية تتطلب أكثر من مجرد طموحات سياسية؛ إنها تتطلب تضامناً وشراكة واعترافاً بالمسؤوليات المشتركة والمتفاوتة. بدلاً من نهج تجاري بحت لإزالة الكربون من الواردات، يجب أن يكون التركيز على تمكين التنمية منخفضة الانبعاثات.
ولا يمكن تحقيق هذا الهدف عبر إجراءات حدودية فقط. فإذا طُبِّقت الآلية على نحو متسرع، قد تتحول إلى عبء دولي جديد. أما إذا أُعيد تصميمها في إطار عملية بناءة تقوم على بناء الثقة، فيمكن أن تصبح منصة موحدة للتعاون المناخي العالمي.
إن معركة مكافحة تغيّر المناخ لا تُربح بالإقصاء. فالمستقبل المستدام يعتمد على بناء أنظمة تشمل الجميع. ويمكن لآلية كربون مصمّمة بعناية أن تلعب دوراً محورياً في هذا الجهد.