هل سيُرجّح ترامب كفة سباق الذكاء الاصطناعي لصالح الصين؟

هل سيُرجّح ترامب كفة سباق الذكاء الاصطناعي لصالح الصين؟

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
us china ai

تشييوان شو: زميل أول ونائب مدير معهد الاقتصاد والسياسة العالمية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ومؤلف كتاب إعادة تشكيل سلسلة التصنيع العالمية: خيارات الصين.
وانغ ياتشيانغ: باحث في كلية لي كوان يو للسياسات العامة في جامعة سنغافورة الوطنية.

بكين/سنغافورة – قد تكون حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين في حالة جمود، لكن المنافسة على التفوق التكنولوجي بين البلدين دخلت مرحلة جديدة وسريعة. وبينما يتصارع الطرفان على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي – والمكاسب الإنتاجية والجيوسياسية التي سترافقه – يلوح سؤال مهم في الأفق: هل ستلحق الصين بركب الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بل وربما تتفوق عليها؟

تقف وراء هذا الاتجاه مجموعة من السياسات التي أدخلتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فقد مثلت رئاسة ترامب تحولاً جذريًا عن التزام الولايات المتحدة بالانفتاح، وهو الالتزام الذي دعم قيادتها التكنولوجية لعقود. والسياسات التي تهدف إلى إعادة الابتكار إلى الداخل الأمريكي قد ترتد بنتائج عكسية، وربما تُمهد الطريق لتفوّق الصين.

إعلان يمكن النقر عليه

قد يوفّر تطور الاقتصاد الرقمي بعض المؤشرات على كيفية سير سباق الذكاء الاصطناعي الحالي، في ظل سياسات ترامب. ففي تسعينيات القرن الماضي، قادت الولايات المتحدة ثورة الإنترنت، مهيمنة على المرحلة المفصلية من “الصفر إلى الواحد” عبر تسريع تحويل الابتكارات من المختبرات إلى الأسواق. وقد غذى ذلك ما سُمّي وقتها بـ”الاقتصاد الجديد”، الذي تميز بنمو سريع، وزيادات قوية في الإنتاجية، وتضخم منخفض. أما الصين، التي بدأت كمقلدة، فقد أضافت لاحقًا ديناميكية مذهلة إلى الاقتصاد الرقمي من خلال توسيع نطاق تقنياتها المبتكرة الخاصة.

مرّ التطور الرقمي في الصين بثلاث مراحل:

  1. مرحلة التقليد والمتابعة: من منتصف التسعينيات حتى أوائل الألفية، قلدت الشركات الصينية النماذج الأمريكية، بإطلاق بوابات إلكترونية وخدمات عبر الإنترنت، مما أدى إلى نمو هائل في عدد المستخدمين.

  2. مرحلة التوطين والتحسين: بين عامي 2005 و2015، ومع نضوج النظام الرقمي المحلي، بدأت الشركات التقنية الصينية في الاستفادة من فهمها العميق للمستخدمين المحليين وظروف السوق لتكييف وتحسين خدماتها. منصات مثل WeChat وTaobao لم تكتفِ بنسخ المفاهيم الأمريكية، بل تجاوزت نظيراتها الغربية مثل WhatsApp وeBay في السوق الصيني.

  3. مرحلة الابتكار الريادي: في العقد الماضي، تحولت الشركات الصينية من التقليد إلى الابتكار، مطلقة نماذج رقمية جديدة وتفوقت على منافسيها الأجانب. المثال الأبرز هو TikTok من شركة ByteDance، الذي وضع الصين في صدارة الثقافة الرقمية العالمية، وأعاد تشكيل وسائل التواصل الاجتماعي، وأجبر شركات أمريكية مثل Meta على اللحاق بها.

هذا النموذج بات واضحًا بالفعل في مجالات مثل الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ولن يكون الذكاء الاصطناعي استثناءً. بعد إطلاق ChatGPT في أواخر 2022 – الذي مثّل بداية عصر التبني الجماهيري للذكاء الاصطناعي – أظهرت الصين بسرعة قدرتها على تقليد النماذج الغربية.

إصدار نموذج DeepSeek في يناير مثّل دخول الصين إلى مرحلة التوطين والتحسين، حيث كان استخدام نموذج R1 أرخص بـ30 إلى 50 مرة من نموذج OpenAI. وبحلول فبراير، تقلص الفارق في الأداء بين أفضل النماذج الصينية والأمريكية إلى 1.7%، بعد أن كان 9.3% في 2024. كما أن DeepSeek وصل إلى 100 مليون مستخدم نشط في سبعة أيام فقط، مقارنةً بشهرين استغرقهما ChatGPT للوصول إلى الرقم ذاته.

من أبرز مزايا الصين امتلاكها مخزونًا ضخمًا من المهندسين. فهي تُخرّج أربعة أضعاف عدد خريجي مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) سنويًا مقارنة بالولايات المتحدة. ويعكس هذا “العائد الهندسي” ليس فقط الكمية، بل أيضًا عقلية عملية وأخلاقيات عمل قوية تركز على التحسين المعقد، كما يتضح من بنية DeepSeek.

وتوفر الصين بيئة مثالية لتطبيق واختبار وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بفضل أكثر من مليار مستخدم إنترنت وقاعدة صناعية متنوعة. تمثل الصين حوالي 30% من الإنتاج الصناعي العالمي، وتنتج كميات هائلة من البيانات. ففي عام 2019 فقط، ولّد قطاعها الصناعي 1,812 بيتابايت من البيانات، وقدرنا أن هذا الرقم وصل إلى 2,435 بيتابايت في 2024.

الطاقة عنصر حاسم آخر. في 2023، أنتجت الصين حوالي 9,456 تيراواط-ساعة من الكهرباء – ما يعادل 32% من إجمالي الإنتاج العالمي، وأكثر من ضعف إنتاج الولايات المتحدة البالغ 4,178 تيراواط-ساعة – مما يمنحها ميزة رئيسية في تشغيل مراكز البيانات الضخمة اللازمة لاعتماد الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.

وتتدهور مكانة أمريكا في سباق الذكاء الاصطناعي أكثر بسبب تخفيضات ترامب في تمويل الأبحاث وقيود الهجرة. ففي فبراير، سرّحت إدارته 170 موظفًا في مؤسسة العلوم الوطنية، من بينهم خبراء في الذكاء الاصطناعي، واقترحت خفض ميزانية المؤسسة بأكثر من 50%.

هذه التخفيضات – إلى جانب التأخير في تمويل المعاهد الوطنية للصحة وتجميد حوالي 2.2 مليار دولار من المنح الفيدرالية لجامعة هارفارد – قد تُعيق الأبحاث الأساسية وتعرقل الابتكار في الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، قد تجعل سياسات الهجرة التقييدية من الصعب على الولايات المتحدة جذب المواهب العالمية والاحتفاظ بها، مما قد يؤدي إلى “هجرة أدمغة معاكسة”، مع عودة الكفاءات الصينية إلى بلادهم لشغل وظائف مرموقة في قطاع آخذ في النمو.

رغم أن إدارة ترامب دعمت مشاريع بنية تحتية ضخمة مثل مشروع Stargate – مركز بيانات ذكاء اصطناعي مقترح بتكلفة 500 مليار دولار بالتعاون بين OpenAI وOracle وSoftBank – إلا أن مثل هذه المشاريع قد تُعزز هيمنة الشركات الكبرى وتُقوّض الابتكار الضروري لتحقيق قفزات تكنولوجية.

لكن المشكلة الأعمق تكمن في انحراف أمريكا عن سياسة الانفتاح الاقتصادي. ففي حين أن شركات مثل OpenAI أصبحت أكثر انغلاقًا، تتبنى الشركات الصينية استراتيجيات المصدر المفتوح. وبينما تدفع سياسات ترامب التجارية والهجرية بالمواهب والشراكات الدولية بعيدًا، تسوق الصين نماذجها الرخيصة من الذكاء الاصطناعي إلى شركائها التجاريين.

من المؤكد أن الصين تواجه تحديات داخلية، من ضمنها القيود التجارية الأمريكية التي حدّت من وصولها إلى أشباه الموصلات المتقدمة. كما يجب على صناع القرار الصينيين التوازن بين تشجيع الابتكار وفرض رقابة صارمة على البيانات. ومع ذلك، وبينما لا يمتلك أي من الطرفين طريقًا سهلًا نحو الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي، قد تساعد أجندة ترامب “لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” على “جعل الصين عظيمة مجددًا”.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *