يانا جيفورجيان : مديرة أمانة مجموعة رصد الأرض (GEO)
جنيف – تواجه المؤسسات متعددة الأطراف ضغوطا هائلة في الوقت الراهن، لا سيما في مجال التنمية العالمية، حيث تتحرك الشركات الناشئة والعمالقة التكنولوجيون بسرعة لتطوير حلول رقمية، بينما يزداد إصرار الجهات المانحة على المرونة كشرط لاستمرار الدعم. المؤسسات التي تستمد شرعيتها إلى حد كبير من قدرتها على جمع الأطراف يجب أن تتكيف الآن لتظل ذات صلة ومصداقية. ويعني ذلك الانتقال من الأساليب البطيئة المعتمدة على التوافق إلى أطر أكثر ديناميكية تشجع على التجريب السريع.
فعلى سبيل المثال، تركز الهيئات متعددة الأطراف مثل المنظمة التي أعمل بها – مجموعة رصد الأرض (GEO) – منذ زمن على ضمان نظام بيانات مفتوح وموثوق. لكن مع تسارع وتيرة الابتكار في القطاع الخاص، أصبح لزامًا علينا تطوير القدرة على الابتكار بسرعة، وإن كان ذلك بطريقة شفافة وشاملة.
المنظمات متعددة الأطراف مثل GEO ووكالات الأمم المتحدة والبنوك الإنمائية تجد صعوبة في مواكبة التطورات لأنها لم تُصمم لتكون مرنة. فحكم الدول الأعضاء المتعددين يؤدي إلى بيروقراطية مفرطة وتجنب المخاطر، إلى جانب تمويل مقيد للغاية. كما أن عددًا قليلاً فقط من المبادرات متعددة الأطراف يتضمن آليات لإغلاق المشاريع غير الفعالة، في حين أن الهياكل والمحفزات القديمة تجعل من الصعب إيقاف البرامج القديمة وتحرير الموارد لأفكار جديدة. وهذا كله يجعل الابتكار بطيئًا إلى حد الألم.
ومع ذلك، يمكن لهذه المؤسسات تشجيع التجريب والمخاطرة المحسوبة من خلال اعتماد نموذج المسرّع، الذي يسمح باختبار الحلول المقترحة بسرعة. وكما أشار أليكس أوسترفالدر، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Strategyzer، فإن التعامل مع المبادرات كمجموعة من الرهانات – مع توقع بعض الفشل – يهيئ الأرضية لتحقيق اختراقات. ومن الأمثلة في القطاع الخاص، مسرّع شركة Bosch الذي استثمر حوالي 30 مليون دولار في 214 مشروعًا، باعتبار كل مشروع بمثابة استثمار محتمل ذي أثر تحولي. وقد أدى هذا النهج في المخاطرة المحسوبة، والذي يختلف تمامًا عن النماذج المحافظة للتمويل متعدد الأطراف، إلى نجاح 19 مشروعًا تجاريًا.
ومن المشجع أن بعض المؤسسات متعددة الأطراف بدأت بالفعل في تبني هذا النموذج. فقد أنشأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي شبكة ضخمة للابتكار التنموي، تضم 91 مختبرًا مسرّعًا للتجريب والتكيّف بهدف تحسين النتائج في 115 دولة. أما برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد عزز من تأثيره من خلال “مسرّع الابتكار” الخاص به، والذي جمع نحو 300 مليون دولار منذ عام 2015 لاستخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي واستراتيجيات للتأقلم مع تغير المناخ. كما تمكنت مبادرة “أطلس النظم البيئية العالمية” التابعة لـ GEO من الانتقال من المفهوم إلى النموذج الأولي خلال تسعة أشهر فقط، مما يدل على أن الابتكار السريع ممكن مع الدعم المناسب.
التحدي الآن هو تنفيذ إصلاحات منهجية تجعل من الابتكار مهارة أساسية داخل المؤسسات متعددة الأطراف. ويبدأ ذلك بإنشاء مسرّعات أو مختبرات للابتكار أو فرق مشاريع داخل هذه المؤسسات، ومنحها تفويضًا واضحًا للبحث عن الأفكار الجديدة وتطويرها، مع قدر من الاستقلالية بعيدًا عن القنوات البيروقراطية التقليدية. على سبيل المثال، توفر مختبرات المسرّع التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بيئة آمنة للتجريب، تتمتع باستقلال نسبي عن الرقابة السياسية، مع الحفاظ على الشفافية والحوكمة الواضحة.
كما يجب على المؤسسات متعددة الأطراف إنشاء آليات لمراجعة البرامج بشكل دوري. وإلى جانب تحديد المعالم، يجب إنهاء أو تعديل أي مبادرة لا تحقق نتائج خلال فترة زمنية محددة – وهو نهج شائع في قطاع التكنولوجيا يمنع استنزاف الموارد في مشاريع عقيمة. إن تبني نهج “محفظة المشاريع” يضمن تدفقًا صحيًا من المبادرات: حيث تدخل الأفكار عالية المخاطر إلى المحفظة، ثم يتم توسيع نطاقها إن نجحت أو يتم التخلص منها إن لم تحقق النتائج المرجوة. وكما أظهرت إنذارات التمويل الصارمة التي وجهتها المملكة المتحدة للوكالات غير الفاعلة، فإن إيقاف برنامج فاشل أو إصلاحه قد يكون ضروريًا لتحقيق التقدم.
ولا يقل أهمية عن ذلك تخصيص أموال لتجارب عالية المخاطر وعالية العائد. فـ “صندوق المشاريع” داخل المؤسسة متعددة الأطراف يمكن أن يُستخدم للمشاركة في تمويل المشاريع التجريبية أو اختبارات التكنولوجيا دون التأثير على البرامج الأساسية. إلى جانب إدخال رأس المال المخاطر، يجب أن تتبنى هذه المؤسسات ممارسات “محاسبة الابتكار”، التي تركز على التعلم والأثر المبكر، مثل عدد النماذج الأولية التي تم اختبارها أو عدد التحولات في المسار التي تمت. مستوحاة من منهجية الشركات الناشئة المرنة، تتيح هذه المقاييس اتخاذ قرارات مبنية على البيانات حول المشاريع التي تستحق التوسع أو الإنهاء. وبدلًا من تجنب الفشل بأي ثمن، يجب على المؤسسات متعددة الأطراف أن تتعلم كيف تفشل بشكل مثمر.
كذلك، سيفشل الابتكار إذا كان الموظفون يخشون العقاب على كل خطأ. يجب على القادة تعزيز ثقافة تتسامح مع المخاطر. ويعني ذلك الاحتفال بالفرق التي تجرب أفكارًا جريئة (حتى وإن كانت النتائج مختلطة)، ومنح مكافآت للإبداع وحل المشكلات، وتدريب الفرق على إدارة المخاطر بذكاء. وقد بدأت منظمات مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالفعل في بناء هذا النوع من البيئة من خلال رعاية تحديات الابتكار وتكريم “رواد الأعمال الداخليين”.
أخيرًا، تتعارض التسلسلات الهرمية التقليدية ودورات التخطيط الطويلة مع عملية الابتكار. ينبغي للمؤسسات متعددة الأطراف أن تتبنى هياكل تنظيمية أكثر مرونة، مثل فرق متعددة التخصصات قادرة على الاستجابة السريعة للقضايا الناشئة، أو تقنيات إدارة المشاريع التي تسمح بالتخطيط التكيفي، بما في ذلك دورات قصيرة، وتصميم تكراري، وحلقات تغذية راجعة من المستخدمين. من الناحية الإجرائية، قد يعني ذلك تبسيط عملية الموافقة على المشاريع التجريبية، أو منح الفرق حرية أكبر في اختبار الابتكارات دون الحاجة إلى موافقات لكل تعديل صغير. وقد تخلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن النهج الهرمي التقليدي لصالح نموذج شبكي أكثر مرونة يتناسب مع مختبراته المسرعة.
للاستمرار في مواجهة التحديات العالمية، يجب على المؤسسات متعددة الأطراف أن تبتكر – أو ستخسر مكانتها لصالح جهات أكثر مرونة. وبفضل شرعيتها وحيادها والثقة التي بنتها مع الحكومات والمجتمعات، فإن هذه المؤسسات لديها فرصة فريدة لتبني حلول تكنولوجية قابلة للتطبيق والتوسع والاستدامة. لكن أولًا، يجب أن تتأقلم مع عصر الابتكار السريع.
1 17 زيارة , 1 زيارات اليوم